الفلوجة.. الجروح الخفية وإرث اليورانيوم المنضب منذ الحرب الأميركية على العراق

19 Mar 2025
بعد أكثر من عشرين عامًا على واحدة من أعنف معارك الحرب الأميركية في العراق، لا تزال مدينة الفلوجة تواجه أزمة صامتة تهدد حياة الأجيال الجديدة.
فعلى الرغم من إعادة بناء الأسواق والمنازل والمساجد، إلا أن آثار الحرب لم تندثر، بل استوطنت في الأجساد قبل الأرض، حيث يشهد الأهالي تزايدًا ملحوظًا في حالات التشوهات الخلقية، والسرطانات، والأمراض النادرة، التي يربطها العديد من الأطباء والمتخصصين باستخدام القوات الأميركية لذخائر اليورانيوم المنضب خلال هجوم عام 2004.
ورغم أن الحياة في الفلوجة تبدو طبيعية على السطح، حيث يعمّ النشاط الأسواق والشوارع، إلا أن معاناة سكانها تظل خفية لا يراها الزائر لأول وهلة. في المستشفيات، تجلس أمهات يائسات يحملن أطفالهن الذين ولدوا بتشوهات خلقية معقدة، فيما ترتسم على وجوههن علامات الحزن والإرهاق. خالد إبراهيم، أحد سكان المدينة، يروي بمرارة كيف أن ابنتيه نور ومايار، اللتين ولدتا بتشوهات صدرية شديدة، لا تستطيعان ممارسة حياة طبيعية مثل أقرانهما، قائلاً: “في أماكن أخرى، ولادة طفل لحظة فرح، أما هنا، فهي مقامرة لا نعرف نتائجها”.
القلق حول تأثير اليورانيوم المنضب ليس وليد اللحظة، فقد أظهرت دراسة نشرتها الدكتورة سميرة العاني عام 2011 أن مستويات اليورانيوم في عينات آباء الأطفال المصابين بالتشوهات كانت أعلى بـ 28 مرة من المعدل الطبيعي، وهو ما أثار جدلًا دوليًا حول العلاقة بين التلوث الإشعاعي وهذه الحالات المرضية. لكن بعد سنوات، اختفت الدكتورة العاني من المشهد البحثي، وسط حديث عن تعرضها لضغوط أجبرتها على التوقف عن عملها.
وزارة الدفاع الأميركية تصرّ على أن اليورانيوم المنضب لا يشكل خطرًا صحيًا عند التعرض له بمستويات منخفضة، لكن سكان الفلوجة، الذين شهدوا كيف ذبلت المحاصيل ونفقت المواشي وارتفعت الأمراض الغامضة منذ عام 2004، يرون الحقيقة من زاوية مختلفة. وفي ظل افتقار المستشفيات المحلية إلى المعدات اللازمة لاختبار الإشعاع، يجد الأهالي أنفسهم محاصرين بين معاناة صامتة ونسيان دولي لقضيتهم.
ورغم أن الحرب انتهت منذ سنوات، إلا أن إرثها لا يزال حاضرًا في حياة سكان الفلوجة، حيث تتوارث الأجيال القادمة تداعيات قنابل لم تنفجر، لكنها تركت أثرها في الهواء والماء والتربة، وحتى في الأرحام. والسؤال الذي يطرحه كثيرون هنا: هل سيحاسب أحد على هذا الإرث السام؟