تصاعد التوترات في جنوب السودان: هل ينهار اتفاق تقاسم السلطة؟

11 Mar 2025
تعيش دولة جنوب السودان مرحلة جديدة من الاضطرابات السياسية والعسكرية، مما يهدد اتفاق تقاسم السلطة بين الرئيس سلفا كير ونائبه الأول رياك مشار. وعلى الرغم من تشكيل حكومة الوحدة الوطنية عام 2018 لإنهاء الحرب الأهلية الدامية التي استمرت خمس سنوات وأودت بحياة ما يقارب 400 ألف شخص، فإن التصعيد الأخير في ولاية أعالي النيل يثير المخاوف بشأن مستقبل البلاد واستقرارها.
جذور الأزمة: أزمة ثقة أم انعدام إرادة سياسية؟
منذ توقيع اتفاق السلام، لم يخلُ المشهد السياسي في جنوب السودان من التوترات، حيث بقيت حالة انعدام الثقة قائمة بين الأطراف المتنازعة. وعلى الرغم من دمج قوات المعارضة السابقة في الجيش الوطني وفقًا لبنود اتفاق السلام، إلا أن الاشتباكات الأخيرة بين قوات سلفا كير ومجموعة من الضباط الموالين لرياك مشار تكشف عن هشاشة الاتفاق وعدم التزام الأطراف ببنوده بشكل كامل.
وفي أعقاب مقتل اللواء مجور داك في الناصر، تصاعدت المخاوف بشأن احتمالية انهيار الاتفاق، خاصة بعد اعتقال عدد من جنرالات المعارضة ووضع آخرين تحت الإقامة الجبرية، بالإضافة إلى حصار مقر إقامة مشار. هذه التطورات تعكس حجم الانقسام داخل المؤسسة العسكرية، وهو ما يهدد بشكل مباشر اتفاق تقاسم السلطة.
التداعيات الأمنية والسياسية
الاشتباكات الأخيرة لم تقتصر على الناصر فقط، بل امتدت إلى مناطق أخرى مثل غرب الاستوائية وغرب بحر الغزال، مما يشير إلى تصاعد أعمال العنف على نطاق واسع. ويمثل الهجوم على مروحية تابعة للأمم المتحدة خلال عملية إجلاء أحد أبرز مؤشرات خطورة الوضع، حيث قُتل أحد أفراد طاقمها، فيما أُصيب آخرون بجروح خطيرة.
هذا الحادث دفع بعثة الأمم المتحدة إلى وصفه بـ”الجريمة المحتملة بموجب القانون الدولي”، وهو ما قد يستدعي تدخلاً دوليًا أكثر صرامة، خاصة في ظل مطالبة الأمم المتحدة بفتح تحقيق عاجل حول الجهة المسؤولة عن الهجوم.
المواقف الدولية والإقليمية
على الصعيد الدولي، أبدت العديد من الجهات قلقها من تصاعد العنف، حيث دعا رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، موسى فكي محمد، إلى ضبط النفس ووقف فوري للأعمال العدائية، مشددًا على ضرورة محاسبة مرتكبي العنف. من جهتها، أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية أوامر لموظفيها غير الأساسيين بمغادرة جنوب السودان، محذرة من استمرار الصراع المسلح وخطورته على الأجانب والمواطنين على حد سواء.
هذه التحركات تعكس إدراك المجتمع الدولي لحساسية الوضع وإمكانية خروجه عن السيطرة، ما قد يؤدي إلى إعادة البلاد إلى دوامة الحرب الأهلية التي حاولت تجاوزها خلال السنوات الماضية.
مستقبل اتفاق السلام: سيناريوهات محتملة
في ظل التصعيد الحالي، تبدو عدة سيناريوهات ممكنة لمستقبل اتفاق تقاسم السلطة في جنوب السودان:
1. استمرار الأزمة وتدهور الأوضاع: في حال فشل الأطراف في احتواء التوترات، قد تزداد المواجهات المسلحة، مما قد يؤدي إلى تفكك الاتفاق بشكل نهائي وعودة البلاد إلى صراع مفتوح.
2. تدخل دولي وإقليمي أكثر صرامة: قد يفرض المجتمع الدولي عقوبات أو إجراءات صارمة لإجبار الأطراف على الالتزام باتفاق السلام، مع تعزيز دور بعثة الأمم المتحدة في مراقبة الوضع.
3. تسوية سياسية جديدة: في حال ضغطت القوى الإقليمية والدولية على الطرفين، قد يتم التوصل إلى ترتيبات جديدة تشمل إعادة توزيع السلطات أو تنفيذ إصلاحات أمنية وسياسية تعزز استقرار الاتفاق.
ولا تعد الأزمة في جنوب السودان مجرد خلاف سياسي بين طرفين، بل تعكس أزمة أعمق تتعلق بتقاسم السلطة، وإعادة بناء الدولة، ودمج القوات المسلحة. فشل الأطراف في الالتزام باتفاق السلام قد يجر البلاد إلى فوضى جديدة ستكون تكلفتها باهظة على المدنيين بالدرجة الأولى. وفي ظل تصاعد التوترات، يبقى السؤال المطروح: هل يمكن إنقاذ اتفاق تقاسم السلطة، أم أن جنوب السودان مقبل على مرحلة جديدة من الصراع؟